تتالت التصريحات من قبل المشرفين على الشأن الاقتصادي في البلاد حول صعوبات تمويل ميزانية الدولة لسنة 2017، مما يعني أن الوضع الاقتصادي المتردي الذي تشهده بلادنا مرجح للتفاقم وينذر بما هو أسوأ.
فبعد أن دعا وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال سليم شاكر إلى دفع الاستثمار الخاص والتعويل على الذات من أجل مجابهة كل الصعوبات لا سيما تلك المتعلقة بتمويل ميزانية الدولة لسنة 2017 والتي تسبب فيها أساسا تراجع نسبة النمو إلى حدود 1 بالمائة، وحلول موعد تسديد العديد من القروض التي تحصلت عليها بلادنا إبان الثورة مشددا على أن الحكومة بصدد معالجة كل المشاكل العالقة من أجل إخراج تونس من حالة الانكماش التي يشهدها اقتصادنا.
أكد محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أن تمويل ميزانية 2017 صعب في ظل عدم كفاية الموارد الجبائية للدولة، التي لا تغطي النفقات الجارية على غرار دعم المؤسسات وميزانيات الصناديق الاجتماعية وتغطية كتلة الأجور.
فقد تضاعفت أجور القطاع العمومي في غضون 4 سنوات لتبلغ 13 مليار دينار عوضا عن 6.5 مليار دينار لتمثل اليوم قرابة 45 بالمائة من إجمالي ميزانية الدولة و14 بالمائة من الناتج الإجمالي الخام، حيث علّق محافظ البنك المركزي في هذا الصدد أن الموارد الجبائية المباشرة وغير المباشرة لا تكفي لسداد أجور أكثر من 670 ألف موظف تعادل قيمتها 1 مليار دينار شهريا.
سنة كبيسة اقتصاديا
وتعود صعوبات تمويل ميزانية سنة 2017 لعديد الأسباب أهمها تدنّي الموارد الجبائية بسبب تواصل التهرب الضريبي وعدم تطبيق الحكومة لبرنامج الإصلاح الجبائي الذي كان مقررا منذ سنوات، هذا بالإضافة إلى تواصل تضخم السوق الموازية والاقتصاد الموازي الذي بات يمثل اليوم حوالي 53 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي أي حوالي 40 مليار دينار.
كما يرجع ضعف موارد الدولة أيضا إلى تواصل تدهور عائدات المؤسسات العمومية التي تعيش على وقع أزمة خانقة حتى أن بعضها، ولولا دعم الحكومة لها لأعلنت إفلاسها، علما وأن عجز المؤسسات العمومية يناهز اليوم 4 مليار دينار وهو رقم ضخم يشهد من سنة إلى أخرى تفاقما مهولا مما من شأنه أن يعمق حجم الأزمة الاقتصادية على اعتبار أن الدولة وفي ظل تدنّي كل المؤشرات ستجد نفسها غير قادرة على مجابهة كل هذه المصاريف. وتعتبر الديون الخارجية المقرر تسديدها خلال السنة الجارية القشة التي ستقسم الظهر على اعتبار تراكم خدمة الدين سترتفع إلى مليار دينار خلال السنة القادمة، هذا وستجد الحكومة نفسها مجبرة على تسديد حوالي 8 مليار دينار وهو ما جعل الاقتصاديين يؤكدون أن سنة 2017 تعتبر السنة الأسوأ اقتصاديا.
كل هذا دون نسيان تواصل ارتفاع عجز الميزان التجاري الذي بلغ في موفى شهر جويلية المنقضي 6مليار دينار، وتواصل أزمة القطاع السياحي الذي شهدت عائداته عقب الأحداث الإرهابية التي عرفتها البلاد تراجعا مهولا فاق 50 بالمائة بسبب الفيتو الذي رفعته حكومات الدول الأوروبية، وهي الأسواق التقليدية للسياحة التونسية، أمام بلادنا.
وفي ذات السياق تشهد عائدات قطاع المناجم انهيارا من سنة إلى أخرى خاصة بسبب موجة الاحتجاجات والاعتصامات التي شهدها لا سيّما قطاع الفسفاط الذي كبّد خزينة الدولة خسائر تقدر بـ5 مليار دينار، كل هذا أدّى إلى تراجع مخزوننا من العملة الصعبة خاصة في ظل تدهور سعر صرف الدينار أمام العملات المرجعية وهي الدولار والأورو.
هذه المؤشرات وغيرها تؤكد أن الحكومة القادمة ستجد نفسها أمام خزينة شبه فارغة أو فارغة بكل ما للكلمة من معنى مما سيدفعها للبحث عن تمويلات جديدة.
الحل في الاقتراض
وتعتبر السوق المالية الخارجية الحل الوحيد أمام الحكومة المقبلة لتجاوزصعوبات تمويل ميزانية الدولة لسنة 2017 وهو ما أكده محافظ البنك المركزي الذي أفاد أن تونس في حاجة إلى التمويل الأجنبي كحل لتجاوز تأزم الوضع الاقتصادي.
كما أكد وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال سليم شاكر أن عملية إصدار القرض الرقاعي في السوق الأمريكية بضمان من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بقيمة 500 مليون سيمكن تونس من الحصول على قروض بنسبة فائدة في حدود 1.4 المائة عوضا عن 2 بالمائة، مما يعني أن تونس ستواصل انغماسها في سياسة الاقتراض الخارجي لتغطية المصاريف الجارية وليس لخلق الثروة مما يعني أن الارتهان للأسواق الخارجية بات سمة مميزة لسياستنا الاقتصادية.
حنان قيراط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق