تعيش حكومة الوحدة الوطنية اليوم امتحانا عسيرا بسبب برنامجها والاصلاحات التي تنوي القيام بها في ظل وضع اقتصادي صعب جدا ووضع اجتماعي متأجج حيث تواجه حكومة الشاهد في هذه المرحلة خلافا حادا مع الاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص ملف الزيادة في الأجور وأيضا هي مطالبة بإيجاد حل توافقي يرضي المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف في المفاوضات في القطاع الخاص التي لازالت معطلة وبالتالي تتفاوض الحكومة مع المنظمات الاجتماعية لاقناعها بتوجهاتها وبرامجها في فترة تستعد فيها لتقديم مشروع قانون المالية لسنة 2017 الى مجلس نواب الشعب.
واليوم نلاحظ مختلف أوجه هذا الصراع في مواقف الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في المنابر الاعلامية ولازالت الحكومة لم تتحدث بعد في موضوع الملف الاجتماعي في المقابل نجد أن الأحزاب الستة المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية لا تحرك ساكنا تجاه ما يحصل ولا تعبّر عن دعمها للحكومة ولا عن مواقفها من الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لرئيسها يوسف الشاهد ولعل ما حصل مع حكومة الحبيب الصيد في وقت ليس ببعيد هو نفس الأمر إذ لم ينتفع الصيد أبدا من تضامن الائتلاف الحاكم وأحيانا كنا نلمس غيابا تاما لهذا الالتفاف حول البرامج والمشاريع في مجلس نواب الشعب ولذلك توجهت «الصحافة اليوم» بالسؤال الى بعض قيادات الأحزاب السياسية المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية لعلها تظفر بجواب يطمئن الجميع حول مستقبل الحكومة في ظل الصراعات العميقة بين منظمتي الأعراف والشغالين رغم توقيعهما على وثيقة قرطاج المحددة لبرنامج الحكومة.
ولا زالت الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية الموقّعة على وثيقة قرطاج التي بلورت توجهات حكومة الوحدة الوطنية تدعو الحكومة الى الالتزام بهذه الوثيقة وهي التي أكدّت على ضرورة إرساء معالجة تشاركية تؤمن استقرار المناخ الاجتماعي والمحافظة على المقدرة الشرائية للأجراء عبر احترام آلية المفاوضات الاجتماعية ودعم انتاجية المؤسسات الاقتصادية وتحقيق الأولويات الوطنية وهي بنود تتعلق بالملف الاجتماعي.
وفي هذا الإطار دعا القيادي في حركة نداء تونس بوجمعة الرميلي الى العودة الى وثيقة قرطاج من أجل دعم حكومة الوحدة الوطنية هذا مع ضرورة تنظيم حوار وطني بين الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية حول الخيارات القادمة ومن أجل التوصل الى موقف أكثر وضوح لما جاءت به وثيقة قرطاج.
وأشار الرميلي في تصريح لـ«الصحافة اليوم» الى أنّ الحكومة هي حكومة توافق عريض ولذلك يجب أن تعيد التوافق حول برنامج تفصيلي مضبوط لأنّه في الواقع اليوم هناك قراءات مختلفة لوثيقة قرطاج التي نصّت على برنامج وأهداف عامة ولكن الاجراءات التفصيلية هي التي لم تضعها ولذلك برزت اليوم كل هذه الخلافات حول الملف الاجتماعي وبالتالي شدد الرميلي على أنّ البلاد بحاجة أكثر من أيّ وقت مضى الى توافق وفق أرضية وثيقة قرطاج وذلك إمّا بتفعيلها من قبل الجميع أو بتنظيم حوار وطني واسع حول الوثيقة.
حوار هادئ
أمّا القيادي في حركة النهضة فتحي العيادي فقد أقرّ بغياب التضامن الحكومي بين الأحزاب السياسية لكنّه طالب في المقابل باللجوء الى الحوار لمعالجة مشكلات البلاد التي تحتاج الى مساندة وترصّد وتحتاج الى حلول عادلة لجميع الأطراف حيث لا يمكن أن تضحي طبقة من المجتمع التونسي على حساب طبقة أخرى. وبيّن القيادي لـ«الصحافة اليوم» أنّ تونس نجحت في التحدي السياسي وهي اليوم مطالبة بالنجاح في التحدي الاجتماعي عبر الإتفاق حول كلمة واضحة مؤكدا أنّ حركة النهضة تدعم كل مجهود تقوم به الحكومة من خلال مجلس نوّاب الشعب سواء في المشاريع أو في الإصلاحات مشيرا الى أنّ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يقود عديد المشاورات حول الزيادة في الأجور وحول الوضع الاجتماعي والوضع الاقتصادي من أجل انجاح عمل الحكومة والتي وصفها بسفينة تونس التي ستأخذنا الى بر الأمان.
وشدد فتحي العيادي على ان هناك عملا فعليا للأحزاب السياسية من أجل التعبير عن دعمها للحكومة في مستوى مشاريع القوانين وأبرزها قانون المالية لسنة 2017.
أحزاب المناورات
الا ان القيادي في حزب افاق تونس فوزي عبد الرحمان اعتبر ان الأحزاب السياسية في تركيبتها الحالية غير قادرة على مساندة الحكومة وليست ضمن اولوياتها مشددا على ان المساندة تكون بالافكار والمقترحات والبرامج والمشاركة الفعلية لانجاز الاصلاحات وعلى مستوى ثان هي مساندة بالتحاور مع الشعب واقناعه بخيارات هذه الحكومة، ولاحظ عبد الرحمان في حديثه لـ«الصحافة اليوم» ان هذا الأمر لم يحصل بتاتا منذ تولي حكومة الشاهد مقاليد الحكم وأبرز القيادي في افاق تونس ان حكومات مهدي جمعة والحبيب الصيد ويوسف الشاهد تعاني من نفس المعضلة وهي غياب السند الحزبي بسبب فشل الاحزاب السياسية في تحمل أعباء الحكم بصفة عامة وانشغال الحزب الأغلبي خصوصا بمشاكله الداخلية وهذا ما جعل الشعب التونسي يفقد ثقته في الاحزاب. هذا فضلا عن انشغالها بالتعيينات والمناصب العليا خلال ممارسة الحكم والقيام بمناورات سياسوية بعيدة عن مصلحة البلاد، ووصف محدثنا الوضع السياسي الراهن بالمهترئ لأن الاحزاب السياسية غيرت نظام الحكم من حكم برلماني الى حكم الاحزاب حيث ينص الفصل عدد 7 من قانون الاحزاب على ان تسمية الولاة والمعتمدين لا يجب ان تخضع لانتماءات حزبية ولكن العكس هو ما يحصل على أرض الواقع.
ودعا فوزي عبد الرحمان في هذا السياق رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى عدم الاعتماد على الدعم الحزبي والبحث عن دعم الكتل البرلمانية للأحزاب في مجلس نواب الشعب هذا مع العمل بالتوازي على الترفيع في مستوى الوعي السياسي للأحزاب السياسية حتى تقتنع بدورها الحقيقي في الممارسة الواقعية.
عواطف السويدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق