إعلان أعلي المقال

بقلم فوزي المزوغي

قصّة قصيرة كُنتُ كتبتُها سنة 2003 بعنوان..." قراءة سريعة في مفكّرة أسبوعيّة"... أنشرها تباعا بما تسمح به مساحة التّدوينات على الفايسبوك...

"الصّحنْ هذا بلاشْ، والكيسان هاذم بلاش، وزيدهم ها الزويز شقايلْ بلاش، يا مْرا، يا مدامْ، عمّري كوجينتك بلاش."
كان الصّوتُ المنبعثُ من المُكبّرِ يُغطّي على بقيّةِ أصواتِ الباعَةِ عندما ينطلقُ جهْوريّا، ولكنّه يَتقطّعُ مِن حين إلى آخرَ بسَبب عطبٍ مُزمنٍ في الآلة. لشَدّ ما تَغيّرَ "سوق العصْر" في السّنواتِ الأخيرةِ. تمطّط أكثرَ على طولِ السّكةِ التي تفصِلُ شرقَ المدينةِ عن غربِها، وانتشرتْ في بطحائِه التّربةِ أكداسُ الروبافيكيا تتجمّعُ حولََها النّسوةُ بثيابهنّ الدّاكنةِ في هذا الشّتاءِ الباردِ الماطر،ِ وتكدّست أبوابٌ وشبابيكُ مصنوعةٌ من الخشبِ الأبيضِ الرّخيصِ ودرّاجاتٌ مُستعملة. توقَّفَ السّيد صابر أمام نصبتِه المُفضّلة.
نيفٌ وأربعون سنةٍ مرّتْ عليه في هذه المدينةِ، تذوّق فيها طعمَ الجديدِ بدءا بحليبِ أُمّه وانتهاء بسيّارتِه الشّعبيةِ. واستقرت به الدّنيا في نهاية المطافِ في هواية اقتناءِ الأشياءِ القديمةِ. لَمْ يكُنْ ذلك في البدايةِ بغرض تجميعِها كما يفعل هواةُ المجموعات، بل كان غَرضُه الأساسيّ فرْزَ ما يصلحُ استعمالُه الآن أو في وقتٍ لاحقٍ. ومع طولِ الوقتِ، تعلّق أكثرَ بهذه الهوايةِ ونسيَ الجانبَ النفعيّ منها. وهكذا، تكدّس لديْه في ركنٍ من مستودع السّيارة كومٌ متنافرٌ من الأشياءِ المُتناثرةِ: أقلامٌ لا تصلحُ للكتابة، براغي مكسّرةٌ، أشرطةٌ مغناطيسيةٌ خرجتْ أحشاؤها لعبد الوهّاب وأمّ كلثوم ووردة، هياكلُ نظاراتٍ طبّيةٍ وشمسيّة تهشّمَ بلّورُها، مجموعاتٌ من قطعِ الشطرنج تطغى عليها البيادقُ وتنقصُها الملوكُ. لم يفكّرْ يوما في التخلّصِ منها، بلْ ما انفكّ الكومُ يعلو يوما بعد يوم: يشتري القطعةَََ يومَ الأحد صباحا يستعملُها إن كان هناك سببٌ للاستعمالِ أو يتركُها مدّةً ثمّ يُلحقُها بذلك التجمّعِ المتنافرِ. وحتّى زوجتُه الّتي طالما عاتبتْه وألحّتْ عليه في تنظيفِ هذا الرّكنِ القميء مِنَ المستودعِ كانت تُسلّم أمرَها لله إذ يُجيبها مازحا:
" ألا تعتقدين أنّي أجمعُ رأسَ مالٍ علّنا نحتاجُه يوما ما".
( يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال