بقلم: مراد علالة
غريب أمر حكامنا الجدد!... عندما كنا نصر على توصيف حكومة «سي» الباجي وحكومتي الترويكا ثم حكومة التكنوقراط بـ«المؤقتة»، كانوا ينفعلون وينتفضون وفيهم حتى من شكانا للقضاء لنكفّ عن صنيعنا ونرفع عنهم تلك الصفة التي يبدو انها لا تتلاءم وميلهم الشديد لـ«المؤبد» رغم كون دوام الحال من المحال.
اليوم، نصرّ على مواصلة رسالتنا الاعلامية تحت راية الدفاع عن الجمهورية المدنية بواسطة اعلام حر ومسؤول، ونصر على توصيف حكومة يوسف الشاهد التي خلفت حكومة الرباعي بقيادة الحبيب الصيد بـ«حكومة الوحدة الوطنية» مثلما أريد لها انطلاقا من مبادرة قرطاج في 20 جوان الماضي وصولا الى جلسة منح الثقة لها في مجلس نواب الشعب يوم 26 أوت 2016.
ويبدو ان وزراء هذه الحكومة او على الاقل اغلبهم، لا يختلفون عن اسلافهم وتؤرقهم صفة «الوحدة الوطنية» كصفة «المؤقتة» ونخشى ان تكون هذه الصفة لا تروق لهم، او هم ليسوا معنيين كثيرا بها أو لم يتشبّعوا بها او ان لهم حسابات خاصة تجعلهم لا يرون جدوى في الدفاع عنها امام الشعب التونسي وأمام العالم الذي يرصدنا.
لقد مر الآن اكثر من شهر ونيف على ميلاد حكومة الوحدة الوطنية، حكومة سياسية، تدعمها تسعة أحزاب وأهم ثلاث منظمات اجتماعية في تونس، تثق فيها اغلبية برلمانية ويزكيها «الشيخان» كما يقال ومع ذلك فهي تتعرض منذ يومها الاول الى انتقادات حادة ازدادت حدة مع الكشف عن مشروع قانون المالية للعام 2017 والذي دفع المعارضة السياسية والمدنية الى اعتباره مشروعا يضرب السيادة الوطنية ولا يمكن ان يصدر عن حكومة وحدة وطنية ومع ذلك لم يحرّك وزراء حكومة الوحدة الوطنية وبالتحديد المنحدرون منهم من الاحزاب الكبيرة ساكنا وألقوا بالمسؤولية في الدفاع عن «الوحدة الوطنية» على ما يبدو للأقلية من زملائهم الوافدين من ساحة «الاستقلال» او من الاحزاب الصغيرة بما فيها الاحزاب غير البرلمانية.
وكما هو معلوم، تضم حكومة يوسف الشاهد 26 وزيرا، 8 منهم على الاقل من النداء بمن فيهم الرئيس، 6 من النهضة، 4 من آفاق تونس، 1 من الحزب الجمهوري، 1 من المسار، 1 قريبة من المبادرة الدستورية والبقية من المستقلين بمن فيهم القيادي الاسلامي السابق والناشط سابقا في احزاب الديمقراطي التقدمي ثم الجمهوري ثم التحالف الديمقراطي مهدي بن غربية، والنقابيان السابقان محمد الطرابلسي وعبيد البريكي.
والغريب ان وزراء الفئة الاولى التي اشرنا اليها آنفا وهي تمثل الاغلبية للاسف تستنكف عن الدفاع عن حكومة الوحدة الوطنية بل حتى مجرّد الحديث عنها في الحالات النادرة التي يظهرون فيها في الاعلام في علاقة بنشاطهم الوزاري الخاص بخلاف الفئة الثانية وهي الاقلية «المتحمّسة» وأحيانا أكثر من اللزوم، للدفاع عن الحكومة وعن الوحدة الوطنية تارة بالاسم الخاص وتارة أخرى باسم بقية الوزراء وحتى باسم رئيس الحكومة نفسه وباسم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب!
اننا لا ندرك اليوم سرّ هذا الصمت المريب لوزراء وكتاب الدولة الندائيين الثمانية وتأخرهم في الدفاع عن حكومة الوحدة الوطنية التي هي في نهاية المطاف خيار مؤسس حزبهم فلا نجم الاعلام واستطلاعات الرأي وزير التربية ناجي جلال ولا وزيرة السياحة سلمى اللومي ولا وزير النقل انيس غديرة ولا وزير الخارجية خميس الجهيناوي ولا زملاؤهم شكري بن حسن وفيصل الحفيان وهشام بن احمد وعماد جبري ورضوان عيارة حرّكوا ساكنا تجاه الحملات التي شنّت منذ السبت الماضي على سبيل المثال تاريخ ايداع مشروع قانون المالية في مجلس نواب الشعب او حتى قبل ذلك، واكتفوا بالتدشين والافتتاح والتعليق على مجال تخصصهم الحكومي فقط وكأن تثبيت خيار حكومة الوحدة الوطنية من تحصيل الحاصل وليس من أوكد مسؤولياتهم.
نفس الصمت المريب يأتيه وزراء وكتاب الدولة النهضاويون الستة وفي مقدمتهم بالخصوص الامين العام للحركة زياد العذاري صاحب «الوزارتين» وعماد الحمامي، وهما ناطقان سابقان باسم الحزب اي ان التسويق والترويج والدفاع عن الخيارات والمواقف ليس غريبا عنهما فلماذا يتركان الشاهد وحيدا اليوم ولا يدافعان عن حكومة الوحدة الوطنية؟
والأدهى من ذلك، ان مجلس شورى النهضة المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية تحفظ على الميزانية واشترط ربطها بوضوح بوثيقة قرطاج ودعا الاطراف السياسية المكوّنة لها الى تطوير آليات التنسيق والتشاور بينها وتركيز كل الجهود على البحث عن الحلول وتفعيل المشاريع وترجمة الشراكة في الحكومة الى شراكة على أرض الواقع والكلام هنا مقتطف من بيان الشورى وليس من بيانات الجبهة الشعبية او غيرها من الأحزاب المعارضة لحكومة الوحدة الوطنية!
وليس غريبا والحال هذه ان ينتقد الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري والمشارك في حكومة الوحدة الوطنية عصام الشابي «حكومة الشاهد التي لم تفتح بعد ملف مقاومة الفساد بصورة جدية والكشف عن كافة الحقائق بشأن بارونات وحيتان ورؤس الفساد سواء منها الموجودة في اجهزة الدولة او صلب الاحزاب السياسية او تلك الناشطة خارج الدوائر الرسمية وتقديمها الى القضاء»...وحتى كمال مرجان المتحمس جدّا لمبادرة قرطاج وجد ما يشفي غليله في حكومة يوسف الشاهد وأوضح بكل حزم انه لا يمكن القول ان هذه الحكومة بدأت اليوم جديّا في الحرب على الفساد!
ولحسن حظ الشاهد ربما ان حزبي آفاق تونس والمسار لم يدليا بدلويهما في الموضوع.
هذا وبحكم عدم وجود من يمثل المنظمات الاجتماعية الثلاث، الشغالون والفلاحون والأعراف، في حكومة الوحدة الوطنية مباشرة، فطبيعي ان تغضب هذه الأطراف وألاّ تكون في طليعة المدافعين عنها وألاّ يختلف موقفها عن بقية المنظمات الاجتماعية الغاضبة كهيئة المحامين والمحاسبين وغيرهم ...
في مقابل ذلك انحصر الدفاع سياسيا ورسميا عن حكومة الوحدة الوطنية في الثلاثي الوزاري مهدي بن غربية ومحمد الطرابلسي ورأس الحربة عبيد البريكي كما يقال بلغة الرياضة.
ولئن كان حضور الطرابلسي رصينا ومحدودا وموجّها في الملفات الحارقة التي تعنى بالتهدئة الاجتماعية التي تخدم الحكومة الوطنية واستقرارها فان الظهور المشطّ لمهدي بن غربية في الفترة الماضية وخصوصا ظهور عبيد البريكي أعطى بلغة الاتصال السياسي نتيجة عكسية اساءت لشخص الوزير أولا ولحكومة الوحدة الوطنية ثانيا وقلّبت ملفات الماضي وأجّجت خلافا نحن في غنى عنه بين سكان القصبة الحاليين ومن كانوا ذات يوم في القصبة من أبناء الشعب التونسي المنتفضين من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
اننا نتفهّم شغف عبيد البريكي بالحكم وخدمة الوطن من فوق كرسي الوزارة ونبارك جهوده الخيّرة وتعاونه مع زملائه في الحكومة وتطوّعه لتعويضهم في البلاتوهات التلفزية كما حصل مع وزيرة المالية في القناة الوطنية الاولى والحال انها معنية أكثر منه بالموضوع ليلتها الا اذا كان هناك رأي اخر، كما نتفهم رسائله المشفرة والمباشرة لاخوته في الحركة النقابية والمنظمة الشغيلة وكذلك رفاقه السابقين في الجبهة الشعبية ونقدر كذلك تضحيته واستعداده للتفاوض مع الشيطان كما قال لكننا نذكّره فقط انه هو القائل ذات يوم بأن الاتحاد العام التونسي للشغل «ماكينة تفرم» من يقف ضد ارادتها فما بالك عندما تنظم اليه كافة المنظمات والهيئات المهنية والاحزاب السياسية بما فيها تلك المنضوية في الجبهة الشعبية التي أسّسها شهيد الوطن شكري بلعيد من اجل تحقيق اهداف ثورة 14 جانفي 2011 التي اسعفت الوزير ووجّهت بوصلة التوانسة نحو تونس جديدة لا تبنى الا بصدق الكلام وبالاخلاص في العمل.
بقي ان نهمس في أذن مهندسي الاتصال الحكومي ان تقاسم الاعباء ايضا في الدفاع عن حكومة الوحدة الوطنية مطلوب بين الوزراء مثل تقاسم الاعباء في التضحية من اجل الخروج من عنق الزجاجة بين التونسيين الذين تحرّك مشاعرهم اغنية «حوماني» لكنها لا تقنعهم بالضرورة بوجاهة هذا الضرب من الفنون ودوره في تهذيب الذوق العام وخدمة المصلحة العامة ونجاح حكومة الوحدة الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق