صدر أمس عن المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل بيان شديد اللهجةضد حكومة يوسف الشاهد حمّلها المسؤولية فيما أسماه بزعزعة الإستقرار الإجتماعي ونادى الشغالين ب»التجند» و»التعبئة»للدفاع عن حقوقهم..
وقد جاء هذا البيان كرد فعل على مصادقةمجلس الوزراء على مشروع الميزانية لسنة 2017 الذي ترى المنظمة الوطنية الشغيلة أن الحكومة تصرفت بشكل اقصائيوهو تصرف يعكسمن منظورها رغبة في التفرد بالرأي كما أن مشروع الميزانية يسعىلتحميل الطبقة الكادحة فشل سياسات الدولة المتبعة.
وطبيعي جدا أن نتوقع أن ينتج عن هذا البيان وعن ما حمله من مواقف وما جاء فيه من تهديدات ضمنية من خلال عبارات على غرارالتجند والتعبئة إلخ والتي لا تدل فقط على الإستعداد للمواجهة وإنما هي عبارة عن اعلان حرب, انعاكسات مباشرةعلى العملية السياسية التي انطلقت مع الإستعدادات لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والتيكانت المنظمة الشغيلة طرفا فاعلا فيها منذ أن أعلن رئيس الجمهورية الباجي قائدالسبسيعن مبادرته المتعلقة بتكوين هذه الحكومة...
فليس من الصعب أن نستنتج أن وثيقة قرطاج التي أمضتعليها الأحزاب السياسية المشاركة في العملية والأطراف الإجتماعية وأساساالإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد الوطني للصناعة والتجارة والتي على أساسها تم تشكيل الحكومة الحالية ربما أصبحت من الماضي لكن هذه الإنعكاسات لن تقتصر على العملية السياسية فحسب وإنما نعتقد أن استقرار البلد ككل أصبح اليوم مهددا إن مضى اتحاد الشغل في تهديداته وإن تمسكت الحكومة بمشروع الميزانية بالصيغة التي صادق عليها المجلس الوزاري الذي انقعد مؤخرا للغرض.
ولعلنا نذكر بأن الإتحاد العام التونسي للشغل رفض مقترحات الحكومة بشأن تجميد مؤقت لأجور الموظفين وتأجيل الزياداتوربطها بتحقيق نسبة مريحة تمكن الدولة من توفير الإعتمادات اللازمةواعتبرت المنظمة الشغيلة أن في ذلك أولا محاولة لتحميل الشغالين لفشل السياسات التنموية وثانيا استجابة لإملاءات صناديق التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي...
وإن كان صدور بيان تنديدي بشأن اصرار الحكومة على تمرير مشروع الميزانية منتظرا فالإتحاد أعلن منذ ظهور المسودة الأولى لمشروع الميزانية رفضه لمقترح تجميد الأجور وتوظيف مزيد من الآداءات على العاملين فإن صدوره بهذه اللهجة القوية وتضمينه تهديدات واضحة والدعوة للتجند والتعبئة هي التي لم تكن متوقعة خاصة وأن بلادنا تمر بظرف اقتصادي واجتماعي صعب جدا يجعل الوضع مرشح للإشتعال في أي لحظة...
ونعتقد أن هذا البيان الذي أعلن صراحة تبنيه لخيار المواجهةقد وضع الجميع في مأزق من الصعب التكهن بكيفية الخروج منه.
فما نعرفه ويقر به أغلبالملاحظين أن حكومة يوسف الشاهد وإن لم تكن محل اجماع منذ تشكيلها فإنها على الأرجح الفرصة الاخيرة لهذا البلد قبل أن تعم الفوضى لا قدر الله وقبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة... وكنا نتوقع أن تكون هناك مرونة أكبر في التعامل مع الوضع من جانب المنظمة الشغيلة ومن جانب الحكومة كذلك تجنبا للزج بالبلاد في منطق المواجهة في هذا الظرف المهدد كما سبق وقلنا بالإشتعال.
كنا نتوقع مرونة أكثر من اتحاد الشغل لأنه جميع الملاحظين داخل البلد وخارجها يعرفون أن كتلة الأجور كبيرة جدا في تونس وأنه لابد من حل جدي للمسألة كما ندرك كذلك أن بلادنا ليست أمامها خيارات كبيرة ولسنا متأكدين أن تونس يمكنهاأن لا تتوجه إلى صندوق النقد الدولي رغم شروطه المجحفة ومن بينهاالتقشف الذي عادة ما تتحمله الطبقة الكادحة والطبقات الفقيرة بدرجة كبيرة لأن تونس إن لم تتوجه لهذا الصندوق فإنها وحسب خبراء الإقتصاد والمالية ستظطر لللجوءللسوق المالية بشروط مجحفة أكثر وبالتالي فإن التساؤل أين الخيارات الممكنة أمام الدولة وهل لها خيارات كبيرة...
كنا نتوقع كذلك من حكومة يسوف الشاهد أن تكون إرادتها قوية بالفعل في مقاومة الفساد وأن توجه رسائل طمأنة للجميع في هذا الباب تؤكد من خلالها إرادتها في وضع حد فعلا للفساد والتهريب والتهرب الجبائي إلخ... وفي هذا السياق نعتبر أن المنظمة الشغيلة محقة في مطالبتها الدولة باثباتات في هذا الباب وجعل مقاومة الفسادأولية أساسية بدل محاولة تحميل المواطن كل الأعباء ومزيد اثقال كاهله بمزيد من الضرائب...
كنا نتوقع كذلك من حكومة يوسف الشاهد أن تكون ملتزمة أكثر بالحوار مع الطرف النقابي الذي وبحكم الظروف السياسية التي عاشتها بلادنا تحول في السنوات الأخيرة إلى طرف فاعل في العملية السياسية والقفز عليه في فترة كهذه يعني آليا الزج بالبلاد في المجهول...
لكن ورغم البيان شديد اللهجة ورغم ما تضمنه من تهديدات والتلويح بفرضية زعزعة الإستقرار الإجتماعي فإننا نعتقد أنه لا المنظمة الشغيلة ولا الحكومة من صالحها أن تتسبب في زعزعة استقرار البلاد وفي الزج بتونس في خانة المجهول لأنه ببساطةليس من حق أي طرف أن يعبث بمستقبل بلدنا وليس من حقه أن يهدد أمننا مهما كانت شرعيته ومشروعيته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق